ماءالعينين لكحل: "الاحتلال المغربي لن يمحو التاريخ أبدا ولا السيادة الصحراوية على الصحراء الغربية"

MLhumaniste
ثلاثاء 30/09/2025 - 00:53

الجزائر العاصمة (الجزائر)، 29 سبتمبر 2025 (واص) – صرّح نائب الممثل الدائم للجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية (الجمهورية الصحراوية) لدى الاتحاد الإفريقي والكاتب الصحراوي، ماءالعينين لكحل، لمجلة مؤسسة تعزيز الحقوق «مجلة ليمانيست» أن الاحتلال المغربي لن يستطيع أبداً محو التاريخ، مؤكداً أن "اعتراف بعض الدول بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية لا يملك أية قيمة قانونية ما دام الشعب الصحراوي لم يُعبّر بحرية عن خياره".

مجلة « ليمانيست»، التي صدرت في عددها الأول لشهري يونيو/يوليو 2025، نشرت هذا الحوار الذي تناول قضية الصحراء الغربية، وآخر تطوراتها، وآفاق المستقبل في ظل التغيرات العالمية في العلاقات الدولية.

وفيما يلي النص الكامل للحوار:

ماءالعينين لكحل، نائب الممثل الدائم للجمهورية الصحراوية لدى الاتحاد الإفريقي: "القانون الدولي ليس ترفاً ولا زينة"

في وقتٍ تبقى فيه الصحراء الغربية آخر مستعمرة مُعترف بها رسمياً في إفريقيا، تستمر القضية الصحراوية في التراجع إلى هوامش الأولويات الدولية. غير أن خلف الصمت الدبلوماسي والمصالح الاستراتيجية، يخوض شعبٌ معركة من أجل حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير. في هذا الحوار الصريح، يدين ماءالعينين لكحل، نائب الممثل الدائم للجمهورية الصحراوية لدى الاتحاد الإفريقي والكاتب الصحراوي، الاحتلال المغربي، والنهب الاقتصادي، وتواطؤ بعض القوى الغربية، والمعايير المزدوجة في تطبيق القانون الدولي. وبالنسبة له، فإن المقاومة الصحراوية ما تزال حيّة أكثر من أي وقت مضى، مدعومةً بشرعية تاريخية وقانونية وأخلاقية.

ليمانيست (س): الصحراء الغربية هي اليوم آخر مستعمرة في إفريقيا. ومع ذلك، تبقى هذه القضية غائبة إلى حد كبير عن كبرى المحافل الدولية. كيف تفسرون هذا الصمت المستمر تجاه حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير؟

ماءالعينين لكحل (ج): إن الصمت النسبي المحيط بالقضية الصحراوية ليس صدفة ولا أمرا بريئاً. إنه نتيجة لتوازن جيوسياسي تهيمن عليه مصالح اقتصادية واستراتيجية ودبلوماسية قوية، غالباً على حساب المبادئ الأساسية للقانون الدولي. ومع ذلك، فإن قضية الشعب الصحراوي واضحة: نحن شعب مُستعمر، اعترفت به الأمم المتحدة على هذا النحو منذ عام 1963، والمغرب قوة احتلال غير شرعية، اعترفت بها الأمم المتحدة كذلك منذ عام 1975. إن غياب الإجراءات الملموسة من قبل بعض القوى الكبرى وتهاون بعض وسائل الإعلام الدولية يعكس ترتيباً مقلقاً للقضايا، حيث توضع العدالة جانبا خلف المصالح الآنية.

ومن جهة أخرى، سيكون من غير الدقيق القول إن القضية الصحراوية غائبة تماماً عن المحافل الدولية الكبرى. فعلى العكس، فهي تُدرج بانتظام في جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تحظى بدعم واسع من الدول الأعضاء، لا سيما حركة عدم الانحياز، والاتحاد الإفريقي، وعدد من دول أمريكا اللاتينية وآسيا. كما أنها تظل إحدى القضايا الأكثر حساسية ونقاشاً داخل مجلس الأمن، وإن كانت بعض الدول دائمة العضوية تعرقل أي تقدم جوهري. وفي أوروبا، ورغم المواقف الغامضة أحياناً، فإن للقضية الصحراوية من يدافع عنها داخل البرلمان الأوروبي، وأمام محاكم الاتحاد، ومن قبل العديد من منظمات المجتمع المدني.

إنها إذن معركة، ورغم عرقلة قوى نافذة لها، ما تزال حية وشرعية وتحملها القناعة في المحافل الدولية. بل يمكنني القول إنها، رغم كل شيء، ما تزال إحدى القضايا الدولية الأكثر حيوية على جدول الأعمال؛ قضية لم يستطع المغرب وحلفاؤه إسكات صوتها، رغم كل نفوذهم وقوتهم ومصالحهم. وهذا ما يفسر هرولة المغرب في كل أنحاء العالم بحثاً عن دعم لموقفه الاستعماري.

س: لقد اعترف الاتحاد الإفريقي بالجمهورية الصحراوية كدولة عضو كامل الحقوق. فهل لهذا الدعم القاري تأثير فعلي أم أنه يظل رمزياً؟

ج: بتاتا، ليس اعتراف الاتحاد الإفريقي بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية أمرا رمزياً. بل هو فعل سياسي وقانوني قوي، اتخذ، ولنذكر، على يد الآباء المؤسسين للتوجه الوحدوي الإفريقي، الذين أكدوا أن إفريقيا لا يمكن أن تبنى بشكل مستدام ما دام أحد شعوبها محروماً من الحرية. فالجمهورية الصحراوية تجلس في الاتحاد بنفس الحقوق التي يتمتع بها كل الأعضاء الآخرين، بما فيهم المغرب. وهذه الحقيقة تُفند الادعاءات التوسعية المغربية على أرضنا وتُعزز شرعية قضيتنا.

ومع ذلك، ولكي يكون لهذا الدعم أثر ملموس، فلا بد أن يترافق مع إجراءات أكثر صرامة، مثل فرض العقوبات على المحتل، والضغط الدبلوماسي، وتعزيز الدعم الإنساني. وقد لا يكون هذا قد تحقق بعد، لكنه لا يُنقص شيئاً من الوزن السياسي والقانوني لاعتراف إفريقيا بشرعية وسيادة الجمهورية الصحراوية على أرضها.

إن هذا الاعتراف يزعج المغرب بشدة، لأنه يكشف عزلة هذا الأخير ويضعه في موقف حرج، حتى أمام حلفائه الأفارقة والدوليين. ويكفي أن نذكر، على سبيل المثال، مشاركة الجمهورية الصحراوية، على قدم المساواة مع المغرب وباقي الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي، في قمم الشراكة بين الاتحاد الإفريقي وشركاء دوليين مثل الاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية، واليابان. إن مجرد الحضور الرسمي للجمهورية الصحراوية في هذه المنتديات الدولية كافٍ لتقويض الأطروحات الاستعمارية المغربية ولتجديد التأكيد على شرعية النضال الصحراوي على الساحة العالمية.

س: يعيش الشعب الصحراوي في ظروف إنسانية صعبة للغاية في مخيمات اللاجئين منذ أكثر من أربعة عقود. كيف تصفون الوضع اليوم؟

ج: وضع اللاجئين الصحراويين في تندوف هو قبل كل شيء نتيجة مباشرة للاحتلال المغربي ولتقاعس المجتمع الدولي. منذ ما يقرب من خمسين عاماً، يُجبر عشرات الآلاف من النساء والرجال والأطفال على العيش في ظروف صحراوية قاسية، معتمدين بشكل شبه كلي على المساعدات الإنسانية. هذا الوضع غير مقبول وغير إنساني.

ومع ذلك، فإن ما يثير الإعجاب هو القدرة الاستثنائية للشعب الصحراوي على الصمود. لقد بنينا، في قلب الصحراء، مؤسسات قوية، منظومة تعليمية، بنية صحية، وحياة سياسية ديمقراطية متقدمة جداً مقارنةً بكثير من البلدان في المنطقة. لكن هذا لا يمكن أن يُخفي حقيقة أن هذا الوضع مؤقت وغير طبيعي. الحل الوحيد والدائم هو تمكين الصحراويين من العودة إلى أرضهم في حرية وكرامة.

س: يتعرض المدافعون الصحراويون عن حقوق الإنسان، مثل سلطانة خيا، للمضايقة بشكل متكرر، وللإقامة الجبرية أو الاعتداءات. ما هي مسؤولية المجتمع الدولي أمام هذه الانتهاكات الخطيرة؟

ج: يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية أخلاقية وقانونية لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان في كل مكان في العالم. حالات مثل سلطانة خيا تُجسد بوضوح وحشية نظام الاحتلال المغربي. فعندما تتعرض ناشطة مسالمة للاعتداء في بيتها، لشهور طويلة، وسط صمت دولي، فإن ذلك يوجه رسالة خطيرة: أن بعض الشعوب يمكن حرمانها من حقوقها دون أي عقاب للجناة. نحن ندعو الدول والمنظمات غير الحكومية وآليات الأمم المتحدة إلى التحرك الملموس، وتوثيق هذه الجرائم، وممارسة الضغط من أجل تحقيق العدالة.

والأكثر إثارة للقلق هو الصمت المستمر، بل وحتى اللامبالاة، من بعض المؤسسات الإفريقية التي يُفترض بها حماية حقوق الإنسان، مثل اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب. إن ارتكاب انتهاكات جسيمة ومنهجية ضد شعب إفريقي كامل، في ظل إفلات تام من العقاب، ومن دون رد مناسب من هذه الهيئات، يمثل فشلاً أخلاقياً ومؤسسياً كبيراً. ولن يكون التاريخ رحيماً مع الذين أداروا ظهورهم، وتركوا الشعب الصحراوي يواجه الاستعمار والعدوان والانتهاكات اليومية لحقوقه الأساسية وحده، باسم المصالح السياسية أو الحسابات الجيوستراتيجية

س: بعض الدول، بما فيها أعضاء دائمون في مجلس الأمن، اعترفت بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية ودعمت خطة الحكم الذاتي. هل يُقوّض هذا الشرعية الدولية للقضية الصحراوية؟

ج: لا ابدا. فالقانون الدولي ليس مسألة آراء شخصية. إنه لا يعتمد على الوزن الاقتصادي ولا على القوة العسكرية. إن اعتراف بعض الدول بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية لا يملك أية قيمة قانونية، ما دام الشعب الصحراوي لم يُعبر بحرية عن خياره. فلا فرنسا ولا الولايات المتحدة تملكان السيادة على الصحراء الغربية لكي تمنحاها لقوة احتلال لا تملك هي نفسها أي سيادة على هذا الإقليم.

إن محكمة العدل الدولية، والاتحاد الإفريقي، ومحكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي كلها واضحة: الصحراء الغربية إقليم غير متمتع بالحكم الذاتي بانتظار استكمال عملية إنهاء الاستعمار. وخطة الحكم الذاتي المغربية، المفروضة من جانب واحد، غير شرعية وغير واقعية، ولا يمكنها بأي حال أن تحل محل استفتاء حر ونزيه. الحل الوحيد الموثوق والشرعي والعادل هو ممارسة الشعب الصحراوي، المالك الوحيد للسيادة على أرضه، لحقه في تقرير المصير. وأي محاولة لفرض حلول خارج هذا الإطار لا معنى لها إطلاقاً.

س: هل يمكن أن تؤدي هذه الاعترافات الدبلوماسية بالخطة المغربية إلى إضعاف مقاومة جبهة البوليساريو أو التأثير على مستقبل القضية الصحراوية؟

ج: مقاومة الشعب الصحراوي مبنية على شرعية تاريخية وقانونية وأخلاقية، وهي لا تعتمد على التقلبات الدبلوماسية أو على المصالح الظرفية. صحيح أن هذه الاعترافات قد تعقّد موازين القوى الدولية، لكنها لا تغير من إرادة الشعب الصحراوي الراسخة، ولا من طبيعة النزاع، الذي يبقى نزاع تصفية استعمار. وبالتالي فجبهة البوليساريو هي التعبير السياسي والعسكري عن هذه الإرادة. وكل مرة يتم فيها انتهاك القانون الدزلي، الا وتزداد قوة عزيمتنا في المواجهة.

والتاريخ يعلّمنا أن الشعوب التي تناضل تنتصر في النهاية، ما دامت إلى جانب الحق. فالمغرب ليس أقوى من فرنسا أو بريطانيا في ذروة إمبراطورياتهما الاستعمارية، ومع ذلك اضطرت هذه القوى إلى التخلي عن مستعمراتها رغم كل محاولاتها للتشبث بها. اذا الاستعمار حالة شاذة في التاريخ وجريمة ضد الإنسانية، ولا يمكن تبريره بأي حجة سياسية أو اقتصادية أو استراتيجية. بل يجب رفضه ومحاربته من كل الشعوب الحرة المحبة للعدالة والكرامة.

س: الصحراء الغربية غنية بالموارد الطبيعية (الفوسفات، الثروة السمكية، الطاقة الشمسية...). إلى أي مدى يُسهم هذا النهب الاقتصادي في إطالة أمد النزاع؟

ج: نهب الموارد الصحراوية هو في آنٍ واحد نتيجة وسبب لاستمرار الاحتلال. فهو يمول ترسيخ الوجود المغربي ويساعد على شراء التحالفات الدبلوماسية. كما أنه يحرم شعبنا من حقوقه الاقتصادية الأساسية. وباستغلال ثرواتنا من دون موافقتنا، ينتهك المغرب القانون الدولي، وخاصة مبدأ السيادة الدائمة للشعوب على مواردها الطبيعية. وطالما يستمر هذا النهب، فإن النزاع سيظل يتأجج، لأنه يخلق وضعاً لا يُحتمل من الظلم البنيوي.

وللتو فقط (شهر يونيو 2025 وقت إجراء المقابلة)، أصدر المرصد الصحراوي للثروات الطبيعية تقريراً مفصلاً ودقيقاً حول هذه القضية. وأدعوكم، وأدعو قراءكم، للاطلاع عليه لفهم حجم النهب الاقتصادي الذي يتعرض له الشعب الصحراوي.

س: أوروبا تُظهر غالباً ازدواجية في مواقفها: فهي من جهة تتحدث عن احترام القانون الدولي، ومن جهة أخرى توقّع اتفاقيات اقتصادية مع المغرب تشمل الصحراء الغربية بشكل غير قانوني. هل هذه الازدواجية الأوروبية شكل من أشكال التواطؤ؟

ج: هذه الازدواجية يمكن للأسف اعتبارها شكلاً من أشكال التواطؤ، سواء السلبي أو الفعّال. فالمؤسسات الأوروبية على دراية تامة بأن الاتفاقيات مع المغرب لا يمكن أن تُطبق على الصحراء الغربية، كما أكدت ذلك عدة أحكام صادرة عن محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، فإن بعض الدول الأعضاء تسعى للالتفاف على هذه الأحكام باسم "الواقعية السياسية". هذا الموقف يُضعف مصداقية أوروبا في مجال حقوق الإنسان ويُقوّض احترام القانون الدولي. لقد آن الأوان لتغليب المبادئ على المصالح.

لكن هذا ليس مفاجئاً ولا جديداً. ففي قضايا دولية عديدة، أظهرت بعض الدول الأوروبية ازدراءً عميقاً للقانون الدولي أو حتى لالتزاماتها القانونية. ومواقفها، سواء جماعية أو فردية ـ باستثناء بعض الدول القليلة ـ تجاه الإبادة الجماعية الجارية في فلسطين، تُجسد للأسف هذا الانحراف. ولم يعد الأمر يحتاج إلى تعليق، فصمتها أو تواطؤها يتحدث عن نفسه.

هذا الكيل بمكيالين يغذي شعوراً عميقاً بالظلم في بلدان الجنوب، ويقوّض المصداقية الأخلاقية للغرب على الساحة الدولية. فما يطالب به الشعب الصحراوي أو الفلسطيني ليس معاملة خاصة، بل مجرد تطبيق عادل وموضوعي للقانون الدولي، ذلك القانون نفسه الذي يُستدعى بشكل انتقائي بحسب المصالح الاستراتيجية أو الاقتصادية.

س: ما جدوى القانون الدولي إذا كانت أحكام محكمة العدل الدولية ومحكمة العدل الأوروبية الواضحة والمتكررة لصالح الشعب الصحراوي يتم تجاهلها أو الالتفاف عليها؟

ج: يجب أن نكون حذرين: فلا ينبغي أن نقع في فخ معاداة القانون الدولي أو الاستخفاف به ـ فهذا بالضبط ما يسعى إليه البعض. فالقانون الدولي ليس ترفاً ولا زينة. إنه العمود الفقري للسلم العالمي، ومجموعة القواعد الدنيا التي تسمح بالتعايش العادل نسبياً. وحين يتم تجاهله، يسود منطق القوة والفوضى. وهذا ما تريده بعض القوى الدولية والأنظمة اللامبالية بالعدالة، مثل المخزن أو الكيان الصهيوني.

نعم، صحيح أن قرارات محكمة العدل الدولية ومحكمة العدل الأوروبية لصالح الشعب الصحراوي مُلزمة قانوناً، لكن تنفيذها يعتمد على الإرادة السياسية لكل دولة. ولهذا السبب، علينا نحن ومع حلفائنا وأصدقائنا أن نضاعف الجهود لتعبئة الرأي العام والمجتمع المدني والمؤسسات المستقلة في هذه الدول، لمواجهة تناقضاتها. إن القانون في صفنا. والتاريخ كذلك. ولم يتبق سوى أن تنتصر العدالة.

Share