حسم النزاع فى الصحراء الغربية وأهدافه عند كل من الحسن الثانى ومحمد السادس

يسعى ملك المغرب وفريقه، منذ 3 ثلاث سنوات ، إلى حسم النزاع الذى فجره الحسن الثانى عندما حشر المملكة المغربية فى حرب عدوانية و توسعية ضد الشعب الصحراوي سنة 1975.

فإذا كانت الحرب، هي إستمرار للسياسة، كما تشير إلى ذلك التجارب و الدراسات فى ميادين العلوم السياسية و العلاقات الدولية، فما هي دواعي الحرب في الصحراء الغربية حتى نفهم الأهداف المعلنة منها أو الخفية لنحدد مرحلة الحسم عند بلوغ تلك الأهداف؟

نريد هنا أن نستعرض الدواعي و الأسباب فيما يتعلق بالبحث عن حسم النزاع الصحراوى-المغربي عند كل من نظامي الحسن الثانى و محمد السادس و التشابه او الإختلاف بين اجندة كل منهما حتى نقرب فهم  الواقع الحالى و نسلط الضوء على التطورات المستقبلية المحتملة.

وإذا كان قرار الحسن الثانى قد تزامن مع ذروة الحرب الباردة و الصراع بين الشرق و الغرب و ما تمثله الصحراء الغربية في مقاربة جيو- إستراتيجية تهم الموقع الجغرافي و البعد الاقتصادى و البشري بالنسبة للأحلاف فإن ما يهمنا هنا هو العامل السياسي الداخلى من الحرب بالنسبة للمغرب الذى نريد بلورته فى هذه السطور.

أولا- مفهوم الحسم عند الحسن الثاني و اهدافه

قرار الحسن الثانى بالحرب  التوسعية يرجع إلى دواعي داخلية بالدرجة الأولى كان فى مقدمتها ضرورة إبعاد الجيش عن دفة الحكم بعد محاولتي إنقلاب متتاليتين ، سنتي 1971 و 1972، و صد انظار الشعب المغربي فى جو يطبعه تحول سياسي واسع يطالب بالديمقراطية و بالقضاء على حكم الفرد الواحد يشمل الاحزاب التقليدية و النقابات و النخبة السياسية و الحركات الطلابية.

لقد حقق الحسن الثاني ، بقراره المناور، خلق المناخ الضروري و الملائم لإسكات جميع الاصوات المعارضة و الزج بالعديد من زعمائها في غياهب السجون تحت شعارات مزيفة مثل: " التواطؤ مع العدو" و "الخيانة"و "ضرورة الإجماع" حول "القضية الوطنية المقدسة ".

عندما قضي الحسن الثانى على معارضيه من عسكريين و مدنيين و حقق هدفه الإستراتيجي الرامي لإنقاذ عرشه و إبعاده عن الخطر و اصبحت مغامرته الصحراوية تهدد، فى نفس الوقت، استمرار نظامه نتيحة لإستفحال الأزمة الهيكلية و تدني الاوضاع الاقتصادية و انتشار الفقر المدقع بالإضافة إلى الهزائم العسكرية المتلاحقة و العزلة الديبلوماسية، قرر الإنصياع للشرعية الدولية و قبل باستفتاء تقرير المصير و وقع مع جبهة البوليساريو على مخطط التسوية لسنة 1991.

تجدر الإشارة إلى أن قرار الحسن الثانى بتغيير سياسته 180 درجة لم يحرك ساكنا في المغرب و لم يلق اية معارضة من أي نوع كان حيث تحولت الشعارات الشوفينية المؤيدة للحرب العداونية و المزايدات السياسوية إلى جزء من الماضي و انتهت بذلك الدعاية المخزنية، و ماتت مقولة "الإجماع المقدس" و من" طنجة إلى لگويرة" و صرح الحسن الثانى أكثر من مرة أنه قبل بالإستفتاء و مستعد للمصادقة على نتائجه مهما كانت حتى إذا ما  إختار الصحراويون الإستقلال فإن المغرب سيفتح سفارة له في المدينة التى يختارونها عاصمة لهم.

وخلال تلك الحقبة كرر أحد الصحفيين المغاربة تلك الشعارات أمام ادريس البصرى حول ما يسمونه ب "مغربية الصحراء"،  إنتفض الرجل القوي في نظام الحسن الثانى فى وجهه قائلا " هذا ما نقوله نحن داخليا اما العالم فإنه لا يعترف لنا بذلك ". و لم يتم تسجيل أية ردة فعل مناوئة بعد نشر الصحفي كلام ادريس البصرى و كان ذلك وقتها بمثابة مؤشر على طي صفحة هامة من السياسة الداخلية المغربية بعد تحقيق مبتغاها المتمثل فى انتشال العرش العلوي من السقوط.

نهاية النزاع مع العدو الخارجي عند الحسن الثانى كانت مرتبطة بحسمه مع العدو الداخلى، لأن ذلك هو الهدف الأصلي.

إن حقيقة الحرب على الصحراء الغربية، اذن، لم تكن بالنسبة للحسن الثانى سوى ورقة رابحة لحسم الصراع الداخلى، لأنه هو الاصل.

ثانيا-مفهوم الحسم عند محمد السادس و فريقه.

يمكن أن نجزم بأن محمد السادس لم يكن له أي دور لا في الحرب و لا فى التوصل إلى إتفاق السلام بين الجانبين الصحراوي و المغربي. كما أن الميولات الشخصية لديه كولي للعهد لم تؤهله في نظر الحسن لإشراكه في القرارات المتعلقة بمصير العرش أو المساهمة في تسيير أمور كالحرب التى كانت بعيدة عن إهتمامته.

بعد وفاة الربان تربع محمد السادس على كرسي يوجد في مفترق الطرق.

1-إما إتمام مشاور والده بالذهاب إلى الإستفتاء و طي صفحة الحرب و مواجهة تبعات ذلك، داخليا و خارجيا،  ما دامت نتيجة الإستفتاء معروفة سلفا بعد رفض لجنة تحديد الهوية التابعة لبعثة المينورسو رفض تسجيل المستوطنين المغاربة فى لوائح الناخبين.

2-التملص من إتفاقية السلام و تحمل مسؤولية النتائج و البحث عن الحسم هذه المرة، ليس لإبعاد الخطر عن العرش، كما كان ذلك هو الهدف الرئيسي ل"إستراتيجية " الحسن الثانى وإنما من أجل الاستحواذ على الدورادو ( Eldorado ) الصحراوي، لأن الثروة هي الهدف الإستراتيجى و المحرك  اارئيسي للنظام الجديد و حلفائه المحليين و الأجانب مما يدل على أن محمد السادس و فريقه يجهلون تمام الجهل خطورة الموقف و لهم نظرة مركبة من الهواجس و الميولات الشخصية و التصورات الغامضة المعالم.

تخلص محمد السادس بسرعة من تأثير المسؤولين الذين رافقوا الحسن الثانى و واكبوا مراحل الحرب و المفاوضات و استبدلهم بمجموعة جديدة من اصحابه و بعض رفاقه من  المدرسة السلطانية وراحوا يذهبون شرقا وغربا حسب طقوس وأهواء "ملك الفقراء" كما يفعل الهواة تماما.

استيقظ محمد السادس وفريقه  مؤخرا ولكن بعد فوات الآوان على الخطإ الفادح الذى ارتكبوه عندما رموا في مياه المحيط الأطلسي باستنتاجات الحسن الثانى وفرطوا أيما تفريط في تركته الرامية إلى إنهاء مغامرة المغرب فى الصحراء الغربية والإبحار بالعرش العلوي إلى شاطئ النجاة.

فعكس ما يمليه العقل والمنطق السليم فى وقف زيادة الفاتورة والرجوع إلى طريق السلام والأمان لم يجدوا من سبيل سوى الهروب إلى الأمام والبحث عن ربح الحرب وحسم النزاع بوسيلتهم المفضلة، انطلاقا من العقلية المادية المسيطرة لديهم، المبنية على اعتقاد راسخ بأن كل شيء يباع و يشترى بدون هوادة.

دخل محمد السادس وفريقه هكذا فى دوامة مستنقع الرشوة واللوبيات والمقايضات وتزوير الحقائق والكذب. وفى كل فترة يعلنون للمغاربة انهم حسموا النزاع وأن مقترحهم لما يسمى بالحكم الذاتى أصبح هو الحل الذى يتباه المجتمع الدولى.

رؤية حكام المغرب للسراب ليلا ونهارا مرده هو أن لعبة المصالح لدى القوى الكبرى والمتوسطة تستعمل لغة ديبلوماسية تسهل على فريق محمد السادس مواصلة السير في الطريق المغلوط. كما أن الإحتياح المالي لدى نوع من حكومات الجنوب يزيد الطين بلة نتيحة لقابلية بعضها العزف على الاوتار التى تطرب الرباط مقابل الحصول علي رشاوى من عائدات المخدرات التى وصل حجمها إلى ربع الدخل القومى المغربي حسب كتابة الدولة الأمريكية و تقرير مكتب الأمم المتحدة الخاص بالمخدرات.

مغرب محمد السادس دخل مرحلة الإحتضار و السكتة القلبية سياسيا و إقتصاديا و ديبلوماسيا و أصبح يراوح مقايضات التسول بنداءات الإغاثة و الإبتزاز و التهديد.

اوهام تفوق مستحيل في الحرب و  ضياع المال و الجهد فى محاولة تشريع الإحتلال يدلان على درجة التهور و التيه المسيطرة حاليا على القصر المغربي.

يظهر مما سبق أن الوضع الحالي، إذا ما إستمر ، سيعصف بالنظام القائم فى المغرب و سيؤدى ذلك إلى حسم النزاع لصالح شعب الجمهورية الصحراوية كما وقع بالضبط في التجارب المماثلة المعاشة التى كانت نهايتها هي سقوط الأنظمة فى العديد من الدول الإستعماربة كنتيجة مباشرة للحروب الإستعماربة.

إذا كان الحسن الثانى قد تفادى تلك النهاية الأكيدة بالأمس لأن هدفه كان هو حسم الأزمة الداخلية لصالح عرشه بافتعال النزاع في الصحراء الغربية فإن مواصلة الحرب العدوانية اليوم ضد الشعب الصحراوى من طرف محمد السادس و فريقه ستفرض بالضرورة حسم النزاع الصحراوى المغربي على حساب العرش المغربى و فى إتجاه اندثاره.

امحمد/ البخارى 14 يوليوز 2023