
نيويورك (الولايات المتحدة)، 23 غشت 2025 (واص) - نظم نهار أمس مركز الرصد العالمي الأمريكي بمدينة نيويورك ندوة دولية بعنوان "احتلال المغرب للصحراء الغربية كتهديد للسلم والأمن الإقليمي والدولي" بمشاركة خبراء وباحثين في قضية الصحراء الغربية والقضايا الإقليمية والدولية ذات الصلة.
وقدم البروفيسور جيكوب موندي، أستاذ دراسات السلام والنزاعات بجامعة كولجيت بولاية نيويورك، عرضاً تاريخياً عن الصحراء الغربية مبرزاً الأحداث الكبرى التي طبعت الحقبة الاستعمارية الإسبانية والاحتلال العسكري المغربي للصحراء الغربية في عام 1975. وأشار إلى أن هناك ثلاثة عوامل دفعت النظام المغربي إلى غزو الصحراء الغربية بدعم من بعض القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
وأول تلك العوامل هو الفلسفة التوسعية المغربية في إطار ما يسمى ب "المغرب الكبير"، وثانيها هو أزمة الشرعية الداخلية التي واجهها نظام الملك الحسن الثاني والتي كان من أبرز مظاهرها الانقلابان العسكريان ضد حكمه في بداية السبعينيات وهو ما دفعه للبحث عن "مخرج" لدرء تهديد الجيش، وثالثها هو الموارد الوفيرة للصحراء الغربية التي كانت وراء طمع المغرب "الفقير" فيها.
وفيما يتعلق بالجوانب القانونية للصحراء الغربية، أكد البروفيسور موندي على أنها قضية تصفية استعمار واضحة طبقاً للأمم المتحدة التي اعترفت، منذ الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في أكتوبر 1975، بأن السيادة على الصحراء الغربية تكمن في أيدي الشعب الصحراوي الذي ينبغي السماح له بممارسة حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير.
ونظراً للتهديد المتزايد للسلم والأمن الإقليميين الذي يشكله النظام المغربي، دعا البروفيسور موندي الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، إلى إعادة التفكير في اعتمادها على منطق الحفاظ على درجة من "عدم الاستقرار المُستقِر" في المنطقة، لأنه لن يؤدي إلا إلى تشجيع المغرب على خلق المزيد من التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة وخارجها، مشدداً على ضرورة العمل من أجل تحقيق حل مستدام من خلال إعطاء الشعب الصحراوي الفرصة لممارسة حقه في تقرير المصير بحرية.
من جهتها تحدثت المحامية كاثلين توماس والخبيرة في القانون الدولي عن تجربتها كخبيرة قانونية ضمن بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو)، حيث أدلت بشهادتها على محاولات المغرب المحمومة لعرقلة عملية السلام وتزوير عملية تحديد الهوية من خلال جلب المزيد من مستوطنيه إلى الصحراء الغربية المحتلة، موكدةً أن هذا مؤشر واضح على أن المغرب يخشى نتيجة الاستفتاء ويعلم أن الشعب الصحراوي سيختار الاستقلال. وفي هذا السياق، أعربت عن أسفها لأن مجلس الأمن تحت النفوذ الأمريكي والفرنسي لم يفعل أي شيء لوقف محاولات المغرب للتلاعب بالعملية بأسرها.
المحامية كاثلين توماس قامت أيضاً بتشريح ما يسمى "بالمقترح المغربي" وأظهرت بحجج قانونية وسياسية أنه مجرد "مناورة" لأنه ببساطة لا يمكن لأحد أن يتوقع من المغرب، الذي يحكمه نظام ملكي مطلق واستبدادي، أن "يهتم" بحق الشعب الصحراوي الذي يحتل أرضه بالقوة ويعرضه للقمع الوحشي يومياً في وقت يستمر فيه نفس النظام في حرمان الشعب المغربي من حقوقه الأساسية.
من جهة أخرى، تحدثت عن الإنجازات التي حققها الشعب الصحراوي خلال العقود الماضية، مع التركيز بشكل خاص على الدولة الصحراوية التي بنت مؤسسات ديمقراطية متينة تقوم على سيادة القانون وأنشأت ثقافة مبينة على قيم التسامح والانفتاح والتعايش السلمي. وفي هذا السياق، شجعت المهتمين حقاً بالسلم والأمن في إفريقيا على إدراك حقيقة أن الدولة الصحراوية المستقلة ستكون ضامناً للسلم والاستقرار في شمال إفريقيا على عكس النظام المغربي الذي يمثل تهديداً كبيراً للسلم والاستقرار في المنطقة بأسرها.
كما تطرقت إلى الحملة التي يقوم بها المغرب، بمساعدة "اللوبيات" والأشخاص المأجورين، بهدف "تشويه" سمعة جبهة البوليساريو وكفاح الشعب الصحراوي، مؤكدةً أن المسؤولين في الحكومة الأمريكية والسلطات التشريعية الأمريكية يعرفون جيداً أن اتهامات المغرب لا أساس لها من الصحة.
وفي كلمته الختامية، شكر عضو الأمانة الوطنية، ممثل جبهة البوليساريو بالأمم المتحدة والمنسق مع المينورسو، الدكتور سيدي محمد عمار، مركز الرصد العالمي الأمريكي على تنظيم هذا الحدث الهام الذي يأتي في الوقت المناسب حيث سنشهد قريباً مرور 50 سنة على بدء الاحتلال المغربي غير الشرعي للصحراء الغربية، الذي يمثل استمراره أكبر تهديد للسلم والأمن الإقليميين.
وشدّد على أن الشعب الصحراوي يرغب في العيش بسلام مع "جاره الشمالي" وباقي دول المنطقة، ولكن السلام المطلوب هو السلام العادل والدائم، محذراً دولة الاحتلال المغربي بأن لا تستمر في اعتقادها المغلوط بأنها قادرة على فرض إرادتها على الشعب الصحراوي الذي سيواصل مقاومته بكل الوسائل المشروعة لممارسة حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال.
وفي الختام، اتفق المتدخلون على أن الدور المعروف والموثق الذي يلعبه النظام المغربي في تهديد الأمن والاستقرار الإقليميين يشهد على أن هذا النظام مازال مصراً على استخدام جميع الوسائل لدعم ركائز حكمه الهشة، بما في ذلك استمراره في احتلال الصحراء الغربية بشكل غير شرعي وارتكاب جرائم بشعة ضد شعبها وانتهاج سياسة توسعية وتهديد أمن واستقرار جيرانه.
ودعوا المجتمع الدولي، وخاصة القوى الدولية المؤثرة، إلى التخلي عن سياسة "الكيل بمكيالين" وإدراك حقيقة أن السلم والأمن والاستقرار على المدى الطويل في شمال غرب إفريقيا يعتمد بشكل كامل، أولاً، على كبح جماح سياسة المغرب التوسعية وأعماله المزعزعة للاستقرار، وثانياً، على تمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه في تقرير المصير بحرية وديمقراطية.
الندوة الدولية التي أشرف على إدارتها السيد أغرون بالي، المدير التنفيذي لمركز الرصد العالمي الأمريكي، شهدت حضور دبلوماسيين من البعثات المعتمدة لدى الأمم المتحدة في نيويورك وخبراء ومختصين، بالإضافة إلى جمهور أوسع من المهتمين بقضية الصحراء الغربية والقضايا الإقليمية والدولية ذات الصلة.(واص)