تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

النص الكامل للتقرير الأدبي المقدم من الأمانة الوطنية بين المؤتمر الرابع عشر والخامس عشر

نشر في

التفاريتي المحررة ، 19 ديسمبر 2019 (واص) - قدم اليوم الخميس رئيس الجمهورية السيد إبراهيم غالي التقرير الأدبي للأمانة الوطنية المقدم بين مؤتمرين (الرابع عشر والخامس عشر) .
وفيما يلي النص الكامل للتقرير :
التقرير الأدبي للأمانة الوطنية لجبهة البوليساريو، المقدم إلى المؤتمر الخامس عشر للجبهة، 19 ديسمبر 2019
بسم الله الرحمن الرحيم
السيدات والسادة، ضيوف الشعب الصحراوي الكرام،
أيتها المؤتمرات، أيها المؤتمرون،
يتجدد اللقاء مرة أخرى في هذه المحطة الوطنية الجامعة والشاملة لكل الصحراويات والصحراويين، من مخيمات العزة و الكرامة ومن الأرض المحتلة والمناطق المحررة والجاليات، معززين ومكرمين، بحضور مُشرف لنخب من أبطال جيش التحرير الشعبي المغوار، في إطار المؤتمر الشعبي العام الخامس عشر للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، قائدة مسيرة شعبنا الكفاحية، الزاخرة بالبطولات والمفاخر والانجازات العظيمة، وصاحبة السجل الحافل بالأمجاد والمرصع بقيم الأمانة والإخلاص للشعب والوطن، مكمن قوتها وسر استمراريتها.
ولا يفوتني هنا أن أثمن كامل التثمين مجهود اللجنة الوطنية التحضيرية في عملها الدؤوب ونتائجه الجيدة، دون أن أنسى الإشادة بنجاح الندوات السياسية المحلية والجهوية والندوة الوطنية، وبالمساهمة البناءة والمشاركة الواسعة والشاملة لكل مناضلات ومناضلي الجبهة.
إنها لحظة تاريخية لنترحم وفيه ونتذكر بتقدير وإجلال على أرواح كل شهداء شعبنا في مسيرته التحريرية المظفرة، من الشهيد البشير لحلاوي، أول شهيد للجبهة، وصولاَ الى الشهيد البخاري احمد بارِك الله، ذلك الدبلوماسي المحنك والمدافع الشجاع والمستميت عن قضية شعبه وحقوقه، والذي يحمل اسمه مؤتمرنا هذا، المنعقد تحت شعار كفاح، صمود وتضحية، لاستكمال سيادة الدولة الصحراوية.هي مناسبة لتذكر القادة الشهداء الرموز، بدءاً من الفقيد محمد سيد إبراهيم بصيري، القائد التاريخي المُلهم للفكر الوطني التحرري، مروراً بالقائد البطل الشهيد الولي مصطفى السيد، المؤسس  للجبهة و الدولة، والذي قدم أروع مثال في الشجاعة و الإقدام و التضحية، وصولاً إلى الرئيس الشهيد محمد عبد العزيز، الذي سخر أزيد من أربعين سنة من حياته، قتالاً وتضحية وصبراً، تحققت خلالها مكاسب عملاقة وعلى كل الصُعد.
تلكم نفحات خالدة من تاريخ هذا الشعب العظيم، تدعونا جميعاً، في هذا المكان المتميز بكل ما يحمل من أبعاد ودلالات، لتكثيف قيم التضحية والاستشهاد والاستعداد لرفع التحدي.
وعلى غرار كل  مؤتمرات الجبهة، نريد لمؤتمرنا هذا أن يكون فضاءاً وطنيا، مُجسدا للوحدة وللإجماع حول مشروعنا الوطني، وفي كنفه سيكون لنا ما يشفي الغليل من عوامل محفزة، لنعمل معاً، برحابة صدر، من أجل تأطير وتوجيه مداولاتنا ورؤانا جميعها، وتصويبها نحو الهدف الوطني الرئيسي، وليس في ذلك من قيد أو شرط، سوى التمسك بثوابت الجبهة، والمصلحة العليا للشعب الصحراوي.
نعقد مؤتمرنا هذا في ضيافة جيش التحرير الشعبي الصحراوي، بالناحية العسكرية الثانية، في التفاريتي، ونحن على قناعة راسخة بضرورة تلاقي وتبادل واحترام كل الأفكار والآراء، وصهرها في بوتقة واحدة، من شأنها ضمان حماية وتثمين مكاسبنا، وترسيخ وحدتنا والارتقاء بصمود وكفاح شعبنا نحو ما يتطلع إلى أن يكون عليه من قوة وصلابة ودينامية كفيلة بتحقيق النقلة النوعية المنشودة، على جميع جبهات الفعل الوطني.
هذا يعني أن نمضي قدماً، مُستـنيرين بتجربتنا الفريدة، وبخبرتنا المتنامية طيلة عقود من المقاومة والتضحيات الجسام في مواجهة الاحتلال الغاشم لأجزاء من وطننا، وممارساته الوحشية ونواياه العدائية، مع مراعاة التحديات التي يفرضها ما عرفته الأوضاع الدولية والإقليمية من تحولات وتغيرات. هذا فضلاً عن مصاعب وثقل اللجوء والمنفى، وإدارة واحدة من أصعب مراحل كفاحنا، المتمثلة في الترقب وحالة وقف إطلاق النار، ناهيك عن تطور المجتمع وتغير العقليات وأنماط العيش، وما يقتضيه ضمان متطلبات الصمود وضرورات البناء لمؤسسات ومرافق الدولة، مع الحضور الدائم لأولوية التحرير واستكمال السيادة.
الأخوات والإخوة،
لقد كانت الفترة منذ المؤتمر الرابع عشر مُثقلة بتحديات ومناورات من فِعل أعداء أساءوا تقدير قوة شعبنا وإخلاصه لقضيته وتمسكه بأهدافه؛ هذا الشعب الأبي الذي لا تزيده الصعوبات إلاَ صلابةً وتماسكاً وإصراراً على انتزاع حقوقه المشروعة في الحرية والاستقلال، مهما كان الثمن وأيا كانت التضحيات.
  وقد شهدت هذه المرحلة تلاحق تطورات وأحداث، خارجية و داخلية، ترك بعضها الأثر المحسوس على مجريات القضية، وعلى الرأي والمعنويات، نذكر منها:
1 ـ زيارة الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، للأراضي المحررة ووصفه للمغرب بالمحتل، وطرد المغرب للمكون المدني من المينورسو، ومحاولته توسيع رقعة الإحتلال في إتجاه لكويرة.
2 ـ التطورات في منطقة الكركرات جراء هذا الخرق المغربي، والرد الصارم للجبهة والحضور غير المسبوق للقضية الوطنية، سياسياً وإعلامياً، على المستوى الدولي، وخاصة على مستوى مجلس الأمن.
3 ـ تداعيات الأزمة الإقتصادية العالمية، وتقلص الدعم الإنساني، والكوارث الطبيعية، وتأثر معظم الخدمات المقدمة للاجئين جراء ذلك.
4 ـ الهجمة الشرسة للعدو، على كل الجبهات، مركزاً على الجبهة الداخلية، ومحاولاته الفاشلة في النيل من مكانتنا في الاتحاد الإفريقي، وعرقلة التقدم الذي أحرزناه في سياق تكريس سيادة شعبنا على ثرواته الطبيعية، وما تعرفه ساحات التضامن مع قضيتنا الوطنية من قوة واتساع في كل القارات.
5 ـ  الانتخابات على مستوى الأمانة العامة للأمم المتحدة، وفي كل من أمريكا وفرنسا وإسبانيا، والأوضاع في المنطقة المغاربية، والتي حاول العدو استغلالها لتسجيل نقاط لصالحه، وبالخصوص تسويق أطروحته حول أطراف النزاع، ومقترحه للحل، الذي وُلد ميتاً.
6 ـ تعيين الرئيس الألماني السابق هورست كوهلر كمبعوث شخصي، وما خلقه من زخم وحضور للقضية، ثم استقالته المفاجئة، والدور الفرنسي المباشر، مع بعض اللوبيات، في كبح الدينامية الجديدة التي أحدثها بفضل مصداقيته وحكمته ونزاهته.
7 ـ قرارات محكمة العدل الأوروبية التي كشفت حقيقة النهب اللاشرعي الذي تتعرض له الثروات الصحراوية على يد دولة الاحتلال المغربي وشركائها، وأكدت على الطابع القانوني للصحراء الغربية، كبلد منفصل ومتمايز عن المغرب الذي لا سيادة له عليها، ولا يحق لأي كان استغلال ثرواتها، إلا باستشارة وموافقة الشعب الصحراوي.
الأخوات والأخوة،
نحن بصدد استعراض وتقييم السنوات الأربع المنصرمة، مروراً بالمؤتمر الاستثنائي، مؤتمر الشهيد محمد عبد العزيز، انطلاقاً من محددات الفعل الوطني وأهداف وأولويات برنامج العمل الوطني التي أقرها المؤتمر الرابع عشر، المنعقد بتاريخ 18 ديسمبر 2015، والتي تم الشروع في تنفيذها، حيث كانت البداية بتشكيل وانتخاب الهيئات التنظيمية، وإسناد المهام لمباشرة إعداد البرامج والرزنامات الوطنية التفصيلية.
ويأتي هذا التقرير تعزيزا للنقاشات التي كانت الندوات السياسية المحلية والجهوية والندوة الوطنية إطاراً لها، و التي شملت كل ساحات تواجد الصحراويين دون تهميش أو إقصاء. كما أنه يأخذ بعين الاعتبار تقارير تلك الندوات في أبعادها التقييمية، النقدية، التحليلية والاستشرافية، و يشكل تكملة و إثراءا لها، أخذا في الحسبان ما تم التعبير عنه من انشغالات و مناحي ضعف مسجلة في بعض المجالات، مثل الإدارة  و الأمن والخدمات و تسيير الإمكانيات العامة، ومختلف أوجه الأداء الوطني، في الداخل، كما في الخارج.
الأخوات والإخوة،
ولئن كان رحيل الرئيس الشهيد محمد عبد العزيز فاجعة مؤلمة بالنسبة للشعب الصحراوي وتنظيمه الوطني الثوري، إلا أن العزاء الباقي أبداً هو ما خلفه من تجربة وخبرة نوعية، وصبر خارق للعادة، وسعة باع ليس لها مثيل، طيلة مسيرة شاقة من الحرب والقتال الضروس، ومن مواجهة تحديات خطيرة، وإدارة حروب سياسية وإعلامية ومخابراتية، لا مجال فيها للمقارنة بين ما هو مُتاح للعدو من إمكانيات ودعم وتحالفات، وبين مقدرات شعبنا القليل عددياَ، العظيم بوطنيته وإخلاصه وإرادته وتفوقه السيكولوجي والمعنوي في الميدان.
لقد تمكنا بعون من الله وبفضل وحدة وعزيمة وإصرار شعبنا، من تجاوز هذا المُصاب الجلل، ومواصلة السير على درب الشهداء طيلة السنوات التي تلتْ، حيث شكَل المؤتمر الاستثنائي منصة وقوة دفع  مكنتنا من أن ننطلق في العمل بزخم سياسي ومعنوي جديدين، فيما ظلت مقررات المؤتمر الرابع عشر للجبهة، دليل الفعل الوطني والموجه له، محل تنفيذ ومتابعة وتقويم من خلال مؤسسات الجبهة والدولة.
هذا الجهد الوطني الشامل والمشاركة الواسعة والجديرة بالتنويه لكل المناضلات والمناضلين، منذ المؤتمر الرابع عشر، أدى إلى تحقيق مكاسب مهمة في مجالات البناء التنظيمي والمؤسساتي، خاصة ما تعلق بالاستعداد القتالي للجيش وجاهزيته، وفي الميدان الدبلوماسي والعلاقات الدولية، وعلى جبهة انتفاضة الاستقلال المباركة وحقوق الإنسان ومعركة حماية الثروات الوطنية، وفي مجال ترقية الإدارة والعدالة والشؤون الدينية، ومراجعة وإثراء المنظومة القانونية والتشريع والرقابة، إلى جانب التركيز على المجالات الثقافية والاعلامية.
كما تم العمل على تأمين البرامج الخدماتية الموجهة للمواطن في مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية، من صحة وتعليم وتربية وتغذية ومياه وبيئة وكهرباء وغيرها، دعما لمقومات الصمود، مع السعي لبلورة وتنفيذ توجه نحو التأسيس لاقتصاد المقاومة، باستحداث وحدات إنتاجية، وتعميم تجربة المزارع على أوسع نطاق ممكن، والعمل على إرساء عقلية العمل والإنتاج لدى المجتمع الصحراوي.
وتعزز المجهود في مجال الأمن وبسط السيادة على المناطق المحررة، من خلال تفعيل البلديات هناك واستكمال مرافقها الأساسية، وتأمين الخدمات الضرورية بهذه الربوع.  وتجدر الإشادة هنا بالعمل الدؤوب والمتواصل لجيش التحرير الشعبي الصحراوي والأجهزة الأمنية في التصدي لسياسات العدو ومخاطرها التي تهدد الأمن والاستقرار، خاصة التسريب المكثف والممنهج للمخدرات المغربية، وصلتها الوثيقة بعصابات الجريمة المنظمة والجماعات الإرهابية.
كما رافقت هذه المجهودات التفاتة، لا زالت في بواكيرها الأولى، شملت سياسات التكوين و التأطير الموجهة للأطر والفئات الشابة، إناثا و ذكورا، و تفعيل الآلية الوطنية لسياسات الشباب، الذي هو رأس مال الثورة ومستقبل الوطن والقضية.
وفي وقت نشيد فيه بتجربة التعاطي البناء بين مختلف الهيئات من حكومة، مجلس وطني، مجلس دستوري، وأمانة تنظيم سياسي، وكذا الدور المحترم للمجلس الاستشاري، فإننا ننوه بالتجاوب الشعبي، الواعي والمسؤول، مع البرامج والقرارات والإجراءات التنظيمية، سواء تلك القارة أو تلك التي تم تبنيها في أوقات مختلفة، للتعاطي مع وقائع أو تطورات معينة.
أيتها المؤتمرات، أيها المؤتمرون،
لقد تناولتم في الندوات السياسية المحلية، الجهوية وفي الندوة الوطنية، وبكثير من الصراحة والنقد البناء، تقييم برنامج العمل الوطني، وأداءَ الهيئات والسلطات، واستخلصتم الاقتراحات والمعالجات والبدائل المناسبة والضرورية لأوجه القصور ومختلف مناحي الضعف، اللصيقة بكل تجربة إنسانية. كل ذلك تجلى وسيتجلى في مجمل الوثائق التي ستنبثق عن المؤتمر، على غرار التقييم والوضع الراهن والقانون الأساسي للجبهة ودستور الجمهورية وبرنامج العمل الوطني والتوصيات في مختلف الميادين.
يركز هذا التقرير على كبريات الأمور والخطوط العريضة، من أجل تشريح موضوعي لأوضاعنا، على أساس تصور واقعي للأفق وللتوجه السليم، للدفع قدماً بالكفاح ومختلف المهام الوطنية، وضمان ما تتطلبه الظرفية من فعالية وحيوية ونتائج ملموسة، سعياً لصنع ميزان القوة الذي تشترطه المرحلة الحُبلى بالتحديات والرهانات، والتي ينعقد مؤتمرنا هذا في ظلها.
إن الأوضاع والتطورات التي تشهدها الساحة الدولية ترمي بظلالها على مراكز القرار وعلى الحلول المرتقبة للحروب والنزاعات والأزمات القائمة. فالدور المتنامي لروسيا والصين، والاقتصادات الصاعدة والأفكار الجديدة في أمريكا وبريطانيا، وظاهرة الشعبوية في بعض بلدان أوروبا، وتدفق المهاجرين واللاجئين وارتفاع عددهم في العالم، والمظاهرات والاضطرابات الواسعة النطاق في نقاط عديدة من العالم، بما فيها العالم العربي، كلها عوامل تُنذر بتحولات لم تتضح بعد معالمها، وقد تكون وشيكة، في النظام الدولي القائم.
ولا شك أن كل ذلك سيكون له تأثيره على أجندة مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة. فجهود التسوية للنزاع الصحراوي المغربي تشهد اليوم حالة انسداد، جراء عرقلة الحل السياسي من طرف المملكة المغربية. إن عجز مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة عن فرض تطبيق قراراتهما الواضحة لتصفية الاستعمار من الصحراء الغربية، يعود أساساً لإرادة ومواقف دول نافذة لم تتخلص بعد، مع الأسف، من عقيدتها الاستعمارية البائدة.
هذه الأوضاع والمعطيات تفرض علينا الأخذ بجملة من الاعتبارات عند صياغة الخطوط العريضة لعملنا المستقبلي، ومنها:
يظل العنصر الحاسم والمحوري هو قوتنا الذاتية في أبعادها المختلفة، البشرية، المعنوية، والمعرفية، ودرجة استعدادنا للمزيد من الصمود ورفع التحديات، ذلك أن إستراتيجيتنا يجب أن تبقى دائماً استراتيجية للانتصار، وتحقيق أهداف شعبنا، كاملة غير منقوصة، في الحرية والاستقلال، مهما طال الزمن ومهما كانت التضحيات، خاصة وأننا نمتلك أهم عناصر القوة على الإطلاق، متمثلاً في الشرعية؛ الصخرة التي تتحطم عليها كل محاولات ومؤامرات العدو وحلفائه.
الاستعداد القتالي لوحدات جيش التحرير الشعبي الصحراوي وجاهزيتها، في جوانبها البشرية والمعنوية واللوجستية، يجب أن ترسم له خطة ورزنامة محددة، والعمل على توفير الإمكانيات التي يتطلبها هذا الهدف الحاسم، مع ضرورة التركيز على تطوير قدراته العلمية والفنية، استعداداً للتعامل مع مختلف التطورات.
علينا استحضار أن حربنا هي حرب شعبية طويلة الأمد. إنها رهان وجود، تستوجب الاستمرارية والتواصل وتلاحق الأجيال على درب الشهداء حتى النصر. وهذا الموقف يُحيلنا إلى ضرورة الانكباب، وبصيغ عملية، على تأهيل الشباب وتمكينه من المشعل، وخلق الظروف السياسية والتنظيمية التي تمكنه من تبوء مكانته الطبيعية كخير خلف لخير سلف.
إن إنجاح التجديد وإشراك الشباب، كهدف استراتيجي للجبهةِ الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، لا ينبغي أن يقتصر فقط على السعي لتحقيق الانخراط السلس للشباب الصحراوي، ولكن أيضاً، وبنفس الأهمية، في المتعلق بالهيكلة والنظم والخطاب والتأطير واعتماد التقنيات الحديثة.
يتطلب الأمر منا أيضاً وضع الخطط الناجعة، في الأرض المحتلة ومخيمات العزة والكرامة وفي الأراضي المحررة والجاليات، لبناء القوة الذاتية بكل أذرعها:  السياسية، الإعلامية، الحقوقية، الثقافية وغيرها، في مختلف الجبهات ودون استثناء، وإعطائها أبعاداً وصيغاً جديدة.
وإلى جانب المقاومة السلمية في الأرض المحتلة وجنوب المغرب والمواقع الجامعية، التي يجب أن تحظى بما يؤمن لها أن تبقى قوية، متأججة ومتصاعدة، والحضور الفاعل والمتنامي لجالياتنا، ثمة جبهة أخرى لا تقل أهمية، ألا وهي الإعلام  بمختلف وسائطه، والذي هو سلاح العصر.  يجب أن نكتسح هذا الحقل بإرادة أقوى، وأن نستثمر فيه، بشريا ومادياً، قياساَ لفعاليته في معاركنا في ساحات حقوق الإنسان، وحماية الثروات الطبيعية، وكوسيلة فعالة لدعم انتفاضة الاستقلال، ولإيصال صوت وصورة مقاومة وصمود شعبنا ومعاناته لكل بقاع العالم، ولتوسيع دائرة التعاطف والتضامن مع قضيتنا العادلة.
ومع تسجيل الجهود المبذولة لتحسين بناء، أداء وأداة التنظيم السياسي، وما تحقق من نتائج في مجالات تنوير الرأي الوطني والتوجيه والتحفيز والتأطير، فإن كل روافده يجب أن تضطلع بشكل أكثر فعالية بمهمة تأطير وتنظيم نشاط المجمتع المدني لكي يقوم بدوره المطلوب، المتماشي مع واقع وظروف ومتطلبات كفاحنا الوطني.
وتتطلب المرحلة المقبلة إدارة وطنية فاعلة ومقتدرة لحشد كل المقدرات الوطنية وتسخيرها، بتحكم وعقلنة، لخدمة الأولويات التي سيقرها المؤتمر، على أساس مبدأ الاقتصاد في الوسائل وترشيدها لخدمة الأساسي والجوهري، وهو ما يقتضي تقويماً وتصويباً للأداء الوطني في كل جوانبه، وتطهيره من مختلف الشوائب التي علقت به طيلة مرحلة وقف إطلاق النار.
ومن الاهتمامات كذلك، والتي يجب أن تحظى بتركيز ومواصلة الجهد والإجتهاد، ضرورة إمعان النظر في تجربتنا التنظيمية ومنظومتنا القانونية والإدارية والأمنية والاقتصادية، والسعي لأن تكون عملية وذات نجاعة ومردودية، دون اللجوء إلى الاستيراد أو التبني غير المدروس لنظريات أو تجارب الآخرين، المنتمية إلى واقع آخر، ولا تـتـناسب مع واقعنا المتميز بخصوصيته واستثنائيته.
الأخوات والإخوة،
حري بنا التذكير بأننا نخوض حرب تحرير وطنية لن تكتمل إلا بتحرير وطننا. والحرب بمفهومها الشامل، هي القدرة على إمتلاك واستخدام كل الوسائل الشرعية المتاحة لإرغام العدو على قبول واحترام إرادتنا.
الحرب هي امتلاك المقدرات لنكون طرفاً رئيساً، مؤثراً ومحترماً في المعادلة، وأن نكون قوة خلاقة، وهي الدبلوماسية النشطة بمختلف أصنافها، وهي الإعلام العصري، وهي الرأي العام، وهي حقوق الإنسان، وهي الثقافة وهي الهوية الوطنية، وهي الرياضة، وهي الإنتاج، وهي الوحدة الوطنية والانسجام والجهد الجماعي، وهي القناعة التي منبعها الثقة والشعور بالمسؤولية والعدالة قبل كل شيء.
الأخوات والإخوة،
الفرصة سانحة لنؤكد على ضرورة الوقف الفوري للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتكبة من طرف دولة الاحتلال المغربي في حق المدنيين الصحراويين العزل، في ظل الحصار والتضييق، وعلى أن أي حديث عن جهود التسوية لن يستقيم دون فتح الإقليم أمام المراقبين الدوليين، والكشف عن مصير المفقودين الصحراويين، وإطلاق سراح الأسرى المدنيين الصحراويين في السجون المغربية، وفي مقدمتهم مجموعة اقديم إيزيك.  وإننا لنتوجه إلى الشعب الصحراوي عامة وإلى المرأة الصحراوية خاصة، ونحن نهنئ المناضلة أمنتو حيدار على نيلها، بجدارة، لجائزة نوبل للسلام البديلة، كتكريم لها ولرفيقاتها ورفاقها، بمن فيهم القابعون اليوم في سجون الاحتلال المغربي، وآخرهم المحفوظة بمبا لفقير، وفي عرفان وتقدير للكفاح والصمود والاستماتة في الدفاع عن حقوق الإنسان. إنها أمثلة للمرأة الصحراوية التي نعتز أيما اعتزاز بدورها التاريخي والريادي في حربنا التحريرية، ونجدد اليوم التزام جبهة البوليساريو بحماية مكاسبها وتعزيز مكانتها المستحقة، وعلى كل المستويات، في خضم بناء دولتنا ومؤسساتها الوطنية.
ولقد برهنت جبهة البوليساريو عن التزامها الصارم بمبادئ ومواثيق حقوق الإنسان، ونحن فخورون في هذا المجال لكون الهدف الرئيسي ومبرر وجودنا هو الكفاح من أجل هذه الحقوق، ككل غير قابل للتجزئة. كما أننا، ونحن نخوض غمار الحرب التحريرية الشرسة، عملنا على إيجاد الأطر التنظيمية والقانونية الكفيلة بتجسيد مؤسسات حمايتها والدفاع عنها، مع مواصلة مجهوداتنا لدعمها وتطويرها لتجسيد المسؤوليات المنوطة بها، داخلياً وخارجياً.
وعلى عكس المغرب، وقعت الجبهة على إعلان جنيف ومعاهدة أوتاوا لحظر الألغام، بل دمرت كامل مخزونها من الألغام المضادة للأفراد. في المقابل، لا تتوقف ملايين الألغام المغربية، وخاصة المضادة للأفراد المحرمة دولياً، عن الفتك بالبشر والحيوان والممتلكات، ناهيك عن الآثار المدمرة للبيئة، مما يجعل من جدار الاحتلال المغربي جريمة ضد الإنسانية بامتياز، يتوجب على المجتمع الدولي المسارعة إلى إزالتها.
الأخوات والإخوة،
إن الجمهورية الصحراوية، وهي عضو مؤسس للاتحاد الإفريقي لن تدخر جهداً لتشريف عضويتها في هذا المنتظم القاري المحترم، وستعمل على الوفاء بكل التزاماتها وتعهداتها في كل المجالات، وخاصة الاحترام المطلق للقانون التأسيسي للمنظمة، القائم على أساس احترام الشرعية الدولية وحرية وسيادة الدول وحدودها، وانتهاج سياسة الحوار والحلول السلمية لفض النزاعات.
إننا نجدد التأكيد على أن الاتحاد الإفريقي شريك رئيسي في مخطط السلام الإفريقي – الأممي ونطالبه، بالمناسبة، ببذل مزيد من الجهود واتخاذ الخطوات الحاسمة اللازمة لجعل المملكة المغربية تحترم التزاماتها اتجاه ميثاق الاتحاد، وتنسحب، دون قيد أو شرط، من الجزء الذي تحتله من بلادنا.
وخلال ما يناهز الثلاثين سنة من التعاطي مع جهود التسوية الأممية الإفريقية، قدمت الجبهة تنازلات كثيرة، سعياً منها لخلق أجواء الثقة الضرورية بين طرفي النزاع، جبهة البوليساريو والمملكة المغربية. ونحن، إذ نجدد استعدادنا الدائم للتعاون البناء مع هذه الجهود لتصفية الاستعمار من آخر مستعمرة في إفريقيا، فإننا نطالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته والوفاء بالتزاماته تجاه الشعب الصحراوي، وتجنيب المنطقة مزيدا من تداعيات العقيدة التوسعية للمملكة المغربية، وما ينجم عنها من توتر ولا استقرار في المنطقة.
إن حالة الانسداد الحالية، الناجمة عن سياسة التعنت والعرقلة الممنهجة من طرف دولة الاحتلال المغربي ليس لها ما يبررها، وهي حالة عقيمة وغير مجدية، وتعكس فشلاً مرفوضاً في تطبيق ميثاق وقرارات الأمم المتحدة، وفي مقدمتها حق الاستقلال للشعب الصحراوي، على غرار كل الشعوب والبلدان المستعمرة. وإزاء تقاعس مجلس الأمن الدولي عن تنفيذ مقتضيات خطة التسوية الأممية الإفريقية لسنة 1991، لم يبقَ أمام جبهة البوليساريو سوى مراجعة تعاطيها مع عملية السلام برمتها.
فالشعبَ الصحراويَّ، المُـلتَـفَّ حولَ مُـمَـثِّـلِهِ الشرعِيِّ والوحيدِ، جبهةُ البوليساريو، لا يمكِنُه القبولُ بمزيدٍ من التماطُلِ والتأجيلِ المتكرِّرِ، ولن يقبَلَ بتكريسِ حالةِ الاحتِلالِ وإطالةِ أمدِهِ، وإنه، سيستعمِلُ كُـلَّ الوسائلِ، في إطارِ ما تكفلُهُ له الشرعيةُ الدولية، لفرضِ خياراتِه المشروعةِ في الحريةِ والاستقلال.
الأخوات الأخوة،
اسمحوا لي أن أتوجه باسمكم جميعاً بتحية التقدير والعرفان  إلى كل الأشقاء والحلفاء والأصدقاء في العالم، الذين وقفوا ويقفون إلى جانب الشرعية الدولية، من خلال الدعم والمساندة لكفاح الشعب الصحراوي العادل من أجل حقوقه المشروعة.
وأخص الجزائر وشعبها العظيم بشكر وتقدير خاص، وهي التي سارعت، منذ اللحظات الأولى للغزو والاجتياح العسكري المغربي لبلادنا، إلى إعلان موقفها المبدئي الراسخ، المنسجم مع ميثاق وقرارات الأمم المتحدة ومبادئ ثورة الأول من نوفمبر المجيدة. إنها الجزائر الأبية، منارة الشعوب المكافحة من أجل الحرية والكرامة، من أجل العدالة والديمقراطية والسلام. وإننا لفي غاية الفخر والاعتزاز إزاء تجذر علاقات الأخوة والصداقة والتحالف الأبدي بين الشعبين والبلدين الشقيقين في الجزائر والصحراء الغربية.
وبهذه المناسبة، ومن هذه المحطة الوطنية، التي هي أعلى هيئة قيادية لجبهة البوليساريو وللشعب الصحراوي، نوجه خالص التهاني والتبريكات إلى الجزائر الشقيقة، شعباً وحكومة وأحزاباً ومجتمعاً مدنياً وكل قواه الحية، على التتويج الناجح للانتخابات الرئاسية، وعلى الظروف الجيدة التي جرت فيها.
ونجدد التهنئة هنا إلى فخامة السيد عبد المجيد تبون، رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، متمنين له كل التوفيق والسداد في مهامه النبيلة والسامية وقيادته للبلاد في هذه المرحلة التي لنا مطلق الثقة في أنها ستشكل انطلاقة جديدة على درب التنمية والازدهار والاستقرار، وتبوُّء الجزائر لمكانتها الطبيعية كبلد محوري ورئيسي في المنطقة، في إفريقيا وفي العالم.
وفي وقت نرحب فيه بالوفد الموريتاني الشقيق، نجدد التأكيد على متانة العلاقات التي تربط الجمهورية الإسلامية الموريتانية والجمهورية الصحراوية، والمؤهلة دائماً للتطور، بالنظر إلى المصير المشترك، المجسد في أواصر الأخوة والصداقة والجوار والتاريخ التي تجمع الشعبين الصحراوي والموريتاني.
وإننا لنشيد أيما إشادة بموقف الاتحاد الإفريقي وشعوبه، والذي يؤكد بأن حرية إفريقيا لن تكتمل ما لم يتمتع الشعب الصحراوي بحقوقه الكاملة في تقرير المصير والاستقلال. ونسجل في هذا السياق انعقاد ندوة حركات التحرر الإفريقية بين ظهران الشعب الصحراوي ثم ندوة دول الصادك في جنوب إفريقيا للتضامن مع الجمهورية الصحراوية، والتي عكست قوة وعمق هذا الموقف الإفريقي.
ونحيي بحرارة الحركة التضامنية العالمية، في أوروبا وأمريكا اللاتينية والولايات المتحدة الأمريكية وآسيا وأوقيانوسيا، وما تجسده من قيم السلام والعدالة والديمقراطية، ورفضها للظلم الممارس على الشعب الصحراوي.
وإننا بالمناسبة، ونحن نحيي بقوة الحركة التضامنية النشطة في إسبانيا، ومذكرين الدولة الإسبانية بمسؤوليتها القانونية، التاريخية، السياسية والأخلاقية تجاه الشعب الصحراوي،لنعبر عن شديد الإدانة لمواقف بعض الحكومات، وخاصة فرنسا وإسبانيا، التي تدعم سياسات التوسع والعداون المغربية، وتحول دون حماية حقوق الإنسان في الأراضي الصحراوية المحتلة، وتشجع دولة الاحتلال المغربي على نهب الثروات الطبيعية الصحراوية، لدرجة التنكر للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني ولقرارات محكمة العدل الأوروبية نفسها، وبالتالي توريط الشعوب الأوروبية في عملية سرقة واضحة.
وإننا لندعو الشعب المغربي الشقيق للانخراط معنا في مسار تكاملي في المنطقة المغاربية، بما يحقق طموحات شعوبنا في السلم والأمن والرخاء والازدهار، على أسس صادقة من التعاون وحسن الجوار والاحترام المتبادل.
الأخوات والإخوة،
رغم كل ما تعرض له شعبنا من محاولات إبادة ومن تكالب استعماري بغيض، ورغم مناورات العرقلة والتأجيل، ورغم الرهانات العبثية على ربح الوقت، فإن شعبنا يمضي قدماً بإرادة لا تلين، وقوة متجددة، وإصرار لا ينكسر، نحو بلوغ أهدافه المشروعة، باستكمال سيادة الجمهورية الصحراوية على كامل ترابها الوطني.
القضية الوطنية حاضرة بقوة في الأجندة الدولية، بطبيعتها القانونية كقضية تصفية استعمار، لا حل لها خارج الاحترام الكامل لحق شعبنا الثابت في تقرير المصير والاستقلال، تترسخ وتتدعم بقرارات العدالة الأوروبية، بعد محكمة العدل الدولية وقررارت الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي. ومكانة بلادنا تتعزز على الساحة الإفريقية والدولية. وجيشنا المغوار مرابط في مواقعه، كله إصرار واستعداد للتعاطي مع كل الخيارات والاحتمالات. 
ومؤسسات دولتنا الفتية تتطور في تجربتها الديمقراطية، وأداؤها يتحسن يوماً بعد يوم، وهو ما تجسده المستويات المقبولة في تنفيذ برنامج العمل الوطني، في كل الميادين.
وانتفاضة الاستقلال المباركة تواصل صنع فصول المقاومة البطولية بتحدي وعناد. وجماهير شعبنا في مخيمات العزة والكرامة والأراضي المحررة والجاليات وفي كل مكان ترسم يومياً، وكقوة متنامية،  لوحات جليلة مجسدة للوحدة والثبات والصمود، للمضي على درب النصر والتحرير، ملتفة حول ممثلها الشرعي والوحيد، الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب.
عاشت الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، عاش الشعب الصحراوي، أبياً وصامداً ومستميتاً وفياً لعهد الشهداء، والجمهورية الصحراوية عامل توازن واستقرار وسلام في المنطقة، وحقيقة جهوية وقارية ودولية لا رجعة فيها.
كفاح، صمود وتضحية، لاستكمال سيادة الدولة الصحراوية. (واص)
بعثة " واص " إلى التفاريتي المحررة .