تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

النص الكامل لكلمة رئيس الجمهورية ، الأمين العام لجبهة البوليساريو في اختتام أشغال الملتقى الفكري الأول للشهيد محمد عبد العزيز

نشر في

ولاية أوسرد 31 ماي 2017 (واص) - ألقى اليوم الأربعاء، الوزير الأول  السيد عبد القادر الطالب عمر الكلمة الختامية لأشغال الملتقى الفكري الأول للشهيد محمد عبد العزيز نيابة عن رئيس الجمهورية السيد إبراهيم غالي .
وفيما يلي النص الكامل للكلمة :
 
كلمة الأخ إبراهيم غالي، رئيس الجمهورية، الأمين العام للجبهة، في الملتقى الفكري الشهيد محمد عبد العزيز
ولاية آوسرد، 31 ماي 2017
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخوات والإخوة، مناضلات ومناضلو الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب،
إن انعقاد الملتقى الفكري الشهيد محمد عبد العزيز، بعد مرور سنة على رحيل هذا الأخ والرفيق والصديق والقائد والأمين العام للجبهة ورئيس الجمهورية، لهو وقفة للذكرى والترحم والتأمل والاستلهام والتعمق في فكر هذا الرجل، كرمز وطني وقائد تاريخي، في سياق تجربة الشعب الصحراوي التحررية وثورته الخالدة وتاريخه الحافل بالبطولات والأمجاد والرجال الأفذاذ.
وإنني في هذه المداخلة لأود أن أشيد بالمجهود الوطني المعتبر والمقدر الذي بلورته اللجنة التحضيريةفي هذا المنبر الفكري الوطني، تتويجاً لعمل مكثف ومتنوع، ساهمت فيه جميع الجهات والمؤسسات الوطنية، الرسمية والشعبية.
هذا الملتقى الذي يحمل اسم الرئيس الشهيد محمد عبد العزيز، ينعقد تحت شعار : الإخلاص والوفاء لعهد الشهداء. وإننا لنستحضر هنا كل شهداء ومفقودي الشعب الصحراوي، من من أمثال الفقيد محمد سيد إبراهيم بصيري، قائد انتفاضة الزملة التاريخية، وشهيد الحرية والكرامة، قائد ثورة العشرين ماي، الولي مصطفى السيد، وأول شيهد للثورة الصحراوية، البشير لحلاوي والقائمة الطويلة من شهيدات وشهداء هذا الوطن، الذين رحلوا في عزة وأنفة وإباء، فجعلوا من أجسادهم قنطرة من التضحية والسخاء،تنادينا جميعاً للعبور نحو النصر الحتمي.
الإخوة والأخوات،
إن رحيل الرئيس الشهيد محمد عبد العزيز كان شديد الوطأة وعميق الأثر علينا جميعاً. لقد فقدنا أخاً ورفيقاً ظل حاضراً معنا منذ البدايات الأولى، بكل ما تحمله البدايات من صعوبات بل ومن مستحيلات. لقد رحل عنا قائد عرف كيف يمضي بسفينة القضية الوطنية في أمواج متلاطمة من التطورات والتغيرات، من التحولات والظروف المتقلبة، وطنياً وجهوياً ودولياً.
وإن كنا لا نستطيع أن نفي الرجل حقه كاملاً، إلا أن مثل هذا الملتقى هو بمثابة أرضية لتقييم شامل ومتمعن للمسار النضالي للرئيس الشهيد، بالنظر إلى دوره الاستثنائي في قيادة المشروع الوطني على مدار 40 سنة، ولكن في سياق وطني عام، ممتد، متصل ومتواصل، للتأسيس لأرضة فكرية وسياسية تستحضر تاريخ الشعب الصحراوي المعاصر، وخاصة مقاومته وحربه الوطنية ضد كل أشكال الاستعمار والاحتلال وتجربته في البناء المؤسساتي لدولته الفتية، وتستكشف السبل والآليات الكفيلة بتقريب يوم النصر الموعود.
إننا نتحدث عن رجل أفنى حياته في خدمة القضية الوطنية، بكل تفانٍ وإخلاص، فجعلها همه الأول والأخير، لم يخامره الشك يوماً في عدالتها ولا في إرادة وقدرة وتصميم شعبه ولا في حتمية الانتصار.
ومن هنا، تأتي أهمية مثل هذا الملتقى الذي هو دعوة مفتوحة لنا جميعاً وللشباب الصحراوي خاصة لتمثل القيم الوطنية والاجتماعية والإنسانية المستوحاة من سيرة الرئيس الشهيد وكل شهداء القضية الوطنية ومن مسيرة شعبنا، ليشكل كل ذلك دليل عمل باق للأجيال القادمة.
الإخوة والأخوات،
على المستوي التنظيمي السياسي، لم يكن الرئيس الشهيد يؤمن بأن الجبهة الشعبية حركة تحرير وطنية فحسب، وإنما روح وهوية للشعب الصحراوي، من خلال توحيده في إطار واحد وحول هدف واحد وتمثيله وقيادته للتحرر وبناء دولته المستقلة.
لقد تعاطى مع شؤون التسيير بكثير من الصبر والحكمة، التواضع والبساطة، مازجاً الصرامة المطلوبة بالمرونة الضرورية، بحيث تتقدم الأولويات وتسيطر المصلحة الوطنية العليا، وتتعزز القناعة بأن الجماهير هي ضامنة حرب التحرير وصانعة المعجزات والمكاسب والانتصارات. وسيسجل التاريخ بحروف من ذهب للشعب الصحراوي أنه ظل على مدار أربعين عاماً بقيادة جبهة البوليساريو وأمينها العام، الشهيد الرئيس محمد عبد العزيز، متماسكاً محافظاً على مكسب الوحدة الوطنية، وحدة الحركة ووحدة التنظيم ووحدة الجماهير، وهو أمر في غاية الصعوبة، بالنظر إلى ديناميكية الثورات على مر التاريخ، من جهة، وإلى مكائد العدو ودسائسه، المكثفة والمتواصلة، من جهة أخرى.
سعى الرئيس الشهيد دائماً إلى تطبيق منطلقات ومبادئ الجبهة والاستراتيجيات والخطط التي بلورتها في مؤتمراتها المتعاقبة، والتي ركزت بشكل كبير على الاستثمار في بناء الإنسان وتشجيع عقلية الإنتاج والاعتماد على الذات والعمل التطوعي والحفاظ على الهوية والقيم والثقافة والسياسات الموجهة لقطاعات حيوية، مثل الصحة والتعليم والإنجاب وتربية وتكوين الأجيال على نهج الأبطال والتواصل والعناية بالشباب والمرأة الرعاية الاجتماعية وغيرها.
وإن أولى الأولويات في حركة التحرير الوطني هي بدون شك بناء القوة العسكرية. وفي هذا المجال، كان الرئيس الشهيد، مثلنا جميعاً، شديد الاعتزاز بمقاتلي جيش التحرير الشعبي الصحراوي، يتغلغل إلى داخل صفوفهم، كأي مقاتل آخر، في حضور ميداني مفعم بالاحترام والثقة والجدارة، فلا يترددون، كما هو ديدنهم، عن التقدم إلى ساحات الوغى، بقناعة وشجاعة والتزام واستعداد منقطع النظير للتضحية في سبيل الشعب والوطن.
كان الشهيد الرئيس إلى ذلك قائداً عسكرياً محنكاً، بكل ما يعني ذلك من ملكة التخطيط وقدرة التوقع واتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.
كان يعطي المثال في الشجاعة والإقدام، فلا يهاب المنايا ولا يخشى الخطوب، ولا يترك مناسبة إلا ويتذكر مثاله الأعلى، شهداء القضية الأبرار، وفي مقدمتهم، الشهيد الولي مصطفى السيد، القائد الذي لم يكن يؤمن بالمستحيل.
ولم يكن الرئيس الشهيد بدوره يؤمن بالمستحيل، ولم يكن ليقبل أن تغلق الأبواب أو تنعدم السبل أمام المناضل المؤمن المصمم على انتزاع حقوقه المغتصبة. ومن هنا، كان متيقناً بأن وقف إطلاق النار لم يكن ليحد أبداً من طاقة وقدرة الشعب الصحراوي على الخلق والإبداع، لأنه لا يمكن أن يبقى مكتوف الأيدي، كما قال في خطاب 20 ماي سنة 2005. وبالفعل، اندلعت شرارة انتفاضة الاستقلال المباركة التي شكلت ولا تزال جبهة محتدمة مع العدو، حرص الرئيس الشهيد على متابعتها عن كثب، لتنضاف إلى المعركة القانونية والقضائية، وتفتح آفاقاً واسعة للنضال، وبأساليب جديدة، دون التخلي عن الخيار المشروع في العودة إلى استئناف الكفاح المسلح.
وعلى الواجهة الدبلوماسية ومعاركها الطاحنة، تميز الرئيس الشهيد بالتعاطي بتبصر وتمكن، يجمع بين قوة الحجة واستحضار المعطيات والقدرة على الإقناع. كان يحرص على استجماع المعلومات والتفاصيل ويسعى لاتخاذ القرارات المدروسة التي تتجنب الوقوع في مصايد الاستفزاز ومحاولات التأثير على الموقف القوي، القائم على عدالة القضية ووضوحها وبساطتها. وقد تهاطلت الشهادات من كل أنحاء العالم بعد رحيله لتؤكد مكانته الوطنية والإفريقية والدولية كمناضل شرس ومكافح عنيد عن حق الشعوب في العيش في كنف الحرية والاستقلال.
الإخوة والأخوات،
هذا غيض من فيض وقراءة موجزة في سيرة واحد من أولئك الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، من ثلة الشهداء البررة المخلصين الذين سنحتفل بعد أيام قليلة، في 9 يونيو، بيومهم الوطني.
لقد صدقت فيه مقولة أخيه ورفيقه الشهيد الولي مصطفى السيد حين قال أن القدرة، إذا أرادت الخلود لإنسان، سخرته لخدمة الجماهير. لقد خدم الجماهير بإخلاص لا انقطاع فيه ووفاء لا تررد فيه، حتى الرمق الأخير من عمر أفناه كفاحاً وجهاداً وصبراً والتزاماً. رحم الله الرئيس الشهيد محمد عبد العزيز وجازاه عنا خير الجزاء وتغمده بواسع رحمته، مع معشر الشهداء والنبئين والصديقين، إنه سميع مجيب.
هي إذن رسالة إلى الشعب الصحراوي ينقلها هذا الملتقى الفكري الشهيد محمد عبد العزيز إلى جماهير الشعب الصحراوي في كل واقع تواجدها، رسالة الإخلاص والوفاء لعهد الشهداء، رسالة المضي، في كنف الوحدة والإجماع، بقيادة الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، على ذلك الدرب الخالد الذي رسموه بدمائهم الطاهرة الزكية، ورصعوه بمنارات التضحية والبذل والعطاء والوفاء للشعب والوطن والقضية، درب الحرية والكرامة واستكمال سيادة الدولة الصحراوية، دولة كل الصحراويات والصحراويين، على كامل ترابها الوطني، كحقيقة وطنية وجهوية وقارية ودولية لا رجعة فيها.
قوة، تصميم وإرادة، لفرض الاستقلال والسيادة. (واص)
090/105.