تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

النص الكامل لكلمة رئيس الجمهورية، الأمين العام للجبهة، بمناسبة الذكرى الواحدة والأربعين لإعلان الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، 27 فبراير 2017

نشر في

ولاية السمارة ، 27 فبراير 2017 (واص) – القى اليوم الاثنين رئيس الجمهورية ، الأمين العام لجبهة البوليساريو السيد ابراهيم غالي كلمة خلال اشرافه على انطلاق الاحتفالات المخلدة للذكرى الـ 41 لاعلان الجمهورية الصحراوية .
وفيما يلي لانص الكلمة :
بسم الله الرحمن الرحيم
السيداتوالسادة،
في مثل هذا اليوم ،ومنذ واحد وأربعين سنة، أعلن قائد الثورة الصحراوية، الشهيد الولي مصطفى السيد، عن قيام الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية ،دولة كل الصحراويات وكل الصحراويين، أينما تواجدوا، كتجسيد ميداني وأبديل إرادتهم في العيش في كنف الحرية والاستقلال على أرض وطنهم الغالي.
واحد وأربعون سنة من عمر الجمهورية الصحراوية هي أربعة عقود من الصمود والمقاومة والكفاح، من البناء والتكوين. إنها تجربة فريدة في تاريخ البشرية، استطاع فيها الشعب الصحراوي، بقيادة ممثله الشرعي والوحيد، الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، أن يجمع بين تضحيات ومعاناة حرب التحرير الوطني وبين مسؤوليات وصعوبات بناء دولته الفتية.
وبالفعل، فإن الشعب الصحراوي يستطيع أن يفخر اليوم بكل اعتزاز بدولته التي استطاعت أن تشق طريقها بين الشعوب والأمم، كعضومؤسس في الاتحاد الإفريقي، تحظى  بالتقدير والاحترام والاعتراف، ويرتفع علمها خفاقاً في كل بقاع العالم. ورغم صعوبة الظرف،زمنياً ومكانياً، فالدولة الصحراوية اليوم تتمتع ببناء مؤسساتي حديث، تتكامل فيه السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وبتجربة رائدة في تسيير الشأن العام في كل المجالات، وبشكل خاص في ميادين حيوية مثل التعليم والتربية والثقافة والتكو ين والصحة  والإدارة . كما أن الدولة الصحراوية تتبنى خيارات سياسية واجتماعية واقتصادية واضحة في نهجها وتوجهاتها الراهنة والمستقبلية، تتقدمها الديمقراطية والحرية والمساواة واحترام حقوق الإنسان والتعايش بين الثقافات والأديان. وفي خضم ذلك، تم التركيز على الاستثمار في العنصر البشري، كمحور أساسي في مشروع شامل، تحظى فيه المرأة الصحراوية بمكانة متقدمة وتتولى، عن جدارة واستحقاق، مسؤولياتها في مختلف المهام والوظائف، فيما يبقى الشباب الصحراوي أولوية ثابتة، بالنظر إلى حضوره الدائم ودوره المتجدد في معركتي التحريروالبناء.
السيداتوالسادة،
تتسم الفترة الحالية من الصراع الصحراوي المغربي بالدقة، جراء تمادي المملكة المغربية في سياسة التعنت والتمرد على الشرعية الدولية. فدولة الاحتلال المغربي ظلت على مدار سنوات طويلة تعرقل الجهود الدولية لحل النزاع. وهي لا تزال ترفض السماح للمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة بزيارة منطقة النزاع. وهي التي قامت بالتهجم الرسمي والعلني على الأمم المتحدة، ممثلة في أمينها العام. ودولة الاحتلال المغربي تمارس الاستهتار بقرارات مجلس الأمن الدولي، بل والتعدي على صلاحياته، من خلال طرد المكون المدني والسياسي لبعثة المينورسو، ووصل بها الأمر إلى محاولة خطيرة لتغيير الوضع القائم على الأرض، واجتياح واحتلال أراضي صحراوية محررة، من خلال الخرق السافر لاتفاق وقف إطلاق النار في المنطقة بين الكركارات والحدود الموريتانية، وما رافق ذلك من استفزاز وتهديد، عبر عمليات تسلح وحشد للقوات، بمختلف تشكيلاتها.
إن كل هذه التحركات والممارسات، وبقدر ما تمثل عملاً تصعيدياً واستفزازياً مقصوداً من طرف المملكة المغربية، يرمي إلى المغالطة والتضليل ولفت الأنظار عن حقيقتها كدولة احتلال، تخرق القانون وتنتهك حقوق الشعب الصحراوي وتنهب ثرواته الطبيعية، فإنه يمثل مساساً غير مقبول بمصداقية وهيبة الهيئة الأممية، وتأخراً غير مبرر من طرف مجلس الأمن الدولي في تحمل مسؤوليته وفرض تطبيق ميثاق وقرارات الأمم المتحدة.
وإننا لنذكر بالتهديد الحقيقي للسلم والاستقرار الذي تجسده سياسات التوسع والعدوان التي نهجتها المملكة منذ استقلالها، والتي تضررت وتتضرر منها كل شعوب وبلدان الجوار، ناهيك عن إغراق المنطقة بالمخدرات المغربية، التي تتدفق بلا انقطاع من مختلف نقاط الحدود المغربية وعبر جدار الاحتلال المغربي في الصحراء الغربية، والتي تعتبر عاملاً حاسماً في دعم وتشجيع وتمويل عصابات الجريمة المنظمة والجماعات الإرهابية.
إننا نحمل المملكة المغربية المسؤولية عما قد ينجر عن هذه الممارسات الاستعمارية من انزلاق، يمكن أن يعصف بوقف إطلاق النار ويقود المنطقة بكاملها إلى حالة من الاحتقان والتوتر بل من الانفجار والتهديد المباشر للسلام والأمن والاستقرار. إن إعلانَ المغرب سحب جنوده بضعة أمتار من منطقة الكركارات، عبر نقطة في جدارالاحتلال، تشكل بحد ذاتها انتهاكاً لوضع الإقليم ولاتفاق وقف إطلاق النار،إنما هو محاولة مكشوفة للمرواغة والمغالطة. فانشغال الأمين العام للأمم المتحدة حول الوضعية هناك، والذي نشاطره بكل تأكيد،يتعلق بخطة أممية شاملة غير قابلة للاقتطاع أو التجزئة أوالانتقاء، حظيت وستحظى بتعاون الطرف الصحراوي، وتهدف إلى تصفية الاستعمار من آخر مستعمرة في إفريقيا. فالتهدئة الحقيقية تتطلب إنهاء انتهاكات المغرب لحقوق الإنسان وإطلاق سراح المعتقلين السياسين الصحراويين ووقف نهب الثروات الطبيعية الصحراوية وعودة المكون المدني والسياسي للمينورسو،واستئناف المسارالسياسي لحل النزاع. ومن هنا، فإننا نطالب مجلس الأمن الدولي باتخاذ الخطوات العملية، الملموسة والمباشرة، لإنهاء الخرق المغربي للقانون الدولي، وبالتالي تسريع مسار الحل الديمقراطي، العادل والدائم، من خلال استكمال خطة التسوية الأممية الإفريقية لسنة 1991، التي وقع عليها طرفا النزاع وصادق عليها مجلس الأمن، والرامية إلى تنظيم استفتاء لتقرير مصير الشعب الصحراوي.
إننا نوجه النداء إلى الأمين العام الجديد للأمم المتحدة من أجل اتخاذ الخطوات العاجلة لاستكمال  مسؤوليات والتزامات الأمم المتحدة وتنفيذ قراراتها المتعلقة بمنح الاستقلال للشعب الصحراوي، على غرار كل الشعوب والبلدان المستعمرة.
وفي وقت نذكر فيه بأن الدولة الإسبانية، القوة المستعمرة والمديرة للصحراء الغربية بمقتضى القانون الدولي، لا تزال مسؤولة عن تمكين الشعب الصحراوي من حقه في تقرير المصير والاستقلال، فإننا ندعو الدولة الفرنسية إلى لعب دور تاريخي، منسجم مع تاريخها ومكانتها كبلد حقوق الإنسان ومسؤوليتها كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي، بدعم الخيار الديمقراطي لحل النزاع الصحراوي المغربي، بدل الموقف المنحاز إلى الأطروحة الاستعمارية المغربية.
 السيدات والسادة،
لقد كان قرار محكمة العدل الأوروبية نهاية السنة الماضية حاسماً وقاطعاً في تأكيده على الوضعية القانونية للصحراء الغربية، باعتبارها لا تخضع لسيادة المملكة المغربية، وعلى أن جبهة البوليساريو هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي، وأن أي استغلال لثرواته بدون موافقته، وعبر ممثله، هو انتهاك صارخ ومرفوض للقانون الدولي.
لقد شكل القرار ضربة قاضية لمغالطات دولة الاحتلال المغربي وحججها الواهية، على غرار اتفاقية مدريد التقسيمية، ولكنه في الوقت نفسه يجب أن يشكل نقطة تحول فعلية في سياسة الاتحاد الأوروبي، الذي يجب أن يكون جزءاً من الحل وليس جزءاً من المشكل.
كما أن انضمام المملكة المغربية إلى الاتحاد الإفريقي، بعد المصادقة على بنود قانونه التأسيسي بلا قيد ولا شرط ولا تحفظ، هو إقرار مغربي بالواقع الوطني الصحراوي، المجسد ميدانياً وتحت قبة المنظمة القارية في الجمهورية الصحراوية، العضو المؤسس في الاتحاد.
إن المجتمع الدولي، وفي مقدمته المملكة المغربية، مطالب بأخذ كل هذه التطورات الإيجابية بعين الاعتبار، والتعامل معها بكل ما تقتضيه من احترام لسيادة الدولة الصحراوية ومكانتها القارية، سواء بالامتناع عن أي نشاط غير قانوني يمس أراضيها أو مياهها الإقليمية، أو بالمساهمة في إيجاد الحل العاجل والعادل للنزاع القائم بينها وبين جارتها المملكة المغربية.
فالدولة الصحراوية اليوم حقيقة وطنية وجهوية ودولية لا رجعة فيها، والشعب الصحراوي يزداد تمسكاً بخياراته في الحرية واستكمال سيادة دولته على ترابها الوطني، ومحاور المقاومة والكفاح تتقوى وتتنوع وتتسع، كحق مشروع، تكفله وتقره المواثيق الدولية، في كنف الوحدة والإجماع، تحت قيادة الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب.
 وإننا لنحيي مقاتلي جيش التحرير الشعبي الصحراوي الأبطال الذين كانوا في الموعد، كما هي عادتهم، وأظهروا إرادتهم وقدرتهم على التحرك العاجل، في منطقة الكركارات وفي كل نقاط الجبهات الأمامية، للاضطلاع بواجب التضحية والعطاء، دفاعاً عن حرمة الوطن وذوداً عن كرامة الشعب وتصدياً للمخاطر والتهديدات. وإننا لنشيد في الوقت نفسه بتجاوب الجماهير الصحراوية، في كل مواقع تواجدها، والتي أظهرت روح الاستعداد والجاهزية في التعاطي مع المتغيرات الحاصلة والقرارات المتخذة.
وفي هذا السياق، نحيي بحرارة أبطال وبطلات انتفاضة الاستقلال، جبهة المقاومة السلمية البطولية التي تواجه قمع الاحتلال في الأراضي المحتلة وفي جنوب المغرب وفي المواقع الجامعية بثبات وصمود وإصرار. وهنا لا بد من الإشادة بالهبة الوطنية والدولية المستمرة مع معتقلي ملحمة اقديم إيزيك، ضحايا الظلم والمماطلة ومحاكمات صورية، بمسمياتها العسكرية والمدنية التي تؤطرها صفة الاحتلال المغربي اللاشرعي. إن المجتمع الدولي مطالب بالتحرك لإطلاق سراح معتقلي اقديم إيزيك فوراً، مع كل المعتقلين السياسيين الصحراويين في السجون المغربية، لوقف هذه العمل غير القانوني وغير الأخلاقي تجاه مواطنين مسالمين، لا ذنب لهم سوى المطالبة السلمية بتطبيق ميقاق وقرارات الأمم المتحدة. لقد حان الوقت لفرض آلية أممية لحماية حقوق المواطنين الصحراويين تحت الاحتلال، السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وإزالة جدار الاحتلال المغربي، الجريمة ضد الإنسانية، بآثارها المدمرة على الإنسان والحيوان والبئية.
وفي هذه الذكرى العزيزة، نتوجه بتحية التقدير والعرفان إلى كل الأشقاء والحلفاء والأصدقاء عبر العالم، الذين وقفوا إلى جانب كفاح شعبنا العادل، وفي مقدمتهم الجزائر، بقيادة فخامة الرئيس المجاهد عبد العزيز بوتفليقة. كما نحيي الشقيقة موريتانيا، ونجدد إرادة الجمهورية الصحراوية الراسخة في توطيد علاقات الأخوة والصداقة وحسن الجوار والتعاون معها ومع كل شعوب وبلدان المنطقة، خدمة للسلام والاستقرار والازدهار، والتصدي للمخاطر ومواجهة التحديات القائمة في منطقتنا.
كما نحيي الشعوب الإسبانية والحركة التضامنية الواسعة في أوروبا وأمريكا اللاتينية والعالم، ونجدد الإشادة بموقف الاتحاد الإفريقي الذي يتمسك بتطبيق مقتضيات قانونه التأسيسي، خدمة لمصالح القارة وحريتها واستقلالها ووحدتها ورقي وازدهار شعوبها.
في الذكرى الأربعين لميلاد الجمهورية الصحراوية، ألقى أخونا ورفيقنا الرئيس الشهيد محمد عبد العزيز، آخر خطاب له إلى الشعب الصحراوي، أكد فيه تشبث الصحراوياتوالصحراويينبدولتهم،في إحساسصادقوعميقبانتماءوطني،يتعززمعمرورالزمن،إلىكيانمستقل،إلىهويةناظمة،إلىثقافةمتميزة،إلىخيمةواحدةشاملة.
وفي هذه الذكرى الواحدة والأربعين، نرفع آيات التقدير والعرفان والترحم والإجلال إلى كل شهداء شعبنا البررة، مجددين لهم عهد الإخلاص والوفاء للمضي قدماً على درب الكفاح والمقاومة، بكل السبل المشروعة، حتى استكمال سيادة الدولة الصحراوية على ترابها الوطني.
قوة، تصميم وإرادة، لفرض الاستقلال والسيادة. (واص)
090/105.